«في العاشرة إلا ربعًا ينبغي أن أذهب إلى أبنائي الأعزاء لأقرأ المحاضرة. أرتدي ملابسي وأسير في الطريق الذي أعرفه منذ ثلاثين عامًا والذي له عندي تاريخه الخاص. ها هو ذا البيت الرمادي الكبير وبه الصيدلية. في وقتٍ ما كان هنا بيت صغير به حانة بيرة. وفي هذه الحانة كنت أفكر في رسالة الدكتوراه، وكتبت أول رسالة حب إلى فاريا.»
بلُغةٍ إنسانية مشحونة بأدق تفاصيل الحياة اليومية، يسرد «تشيخوف» حياة «نيقولاي ستيبانوفتش»، وهو أستاذٌ جامعيٌّ بارز يبلغ من العمر اثنين وستين عامًا. يعيش وسط أسرته المكونة من زوجتِه التي كان يُكنُّ لها حبًّا عظيمًا في السابق، متسائلًا كيف وصلت علاقتهما إلى هذا الفتور، وابنتِه التي تدرس الموسيقى في «الكونسرفتوار»، وابنِه الضابط الذي يخدم في وارسو. تتَّسِم حياته بالتكرار الرتيب للأحداث؛ فإلى جانب الأرق الشديد الذي يعاني منه ليلًا، يبدأ نهاره بدخول زوجته عليه، تصحبها رائحة كولونيا الزهور، وتكرر على مسامعه الأحاديث اليومية حول إرسال خمسين روبلًا لابنهما، ورواتب الخدم التي لم تُسدَّد على مدار خمسة أشهُر، وضرورة شراء ملابس جديدة وأنيقة لابنتهما، ثم تتذكر أنه لم يتناول الشاي بعدُ فتُهرَع إلى الطاولة لإحضاره. وبنفس الرتابة والتكرار تسير الأحداث في الجامعة، وعند عودته إلى البيت في المساء. ولكن، وسط كل هذه الرتابة والملل تَشعر بالحيوية في النص الذي يأخذك إلى عالم «نيقولاي» حدَّ الاندماج فيه والتعاطف معه.